الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم للحج، ولا يتم الحج بدونه، كما قال النبي ﷺ: “الحج عرفة” (رواه الترمذي)، في هذا اليوم المبارك، يقف الحجاج على صعيد عرفات، مستشعرين عظمة الموقف، حيث يجتمعون في مشهد يوحد القلوب ويعبر عن المساواة أمام الله، في هذا اليوم العظيم، تسقط الفوارق الدنيوية بين البشر، فلا فرق بينهم إلا بالتقوى، والله يباهي بعباده الملائكة، قائلاً جل جلاله: “انظروا إلى عبادي، أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي”.
ترتيب الوقوف بعرفة ووقته:
الوقوف بعرفة يأتي بعد الإحرام بالحج والتوجه إلى منى في يوم التروية (8 ذي الحجة) والمبيت بها، في صباح يوم عرفة (9 ذي الحجة)، يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات استعداداً للوقوف.
يبدأ وقت الوقوف من زوال الشمس (وقت الظهر) في يوم عرفة ويستمر حتى طلوع فجر يوم النحر (10 ذي الحجة)، يكفي للحاج أن يكون حاضراً في عرفة في أي وقت ضمن هذا المدة، وإن كان للحظات فقط، ولكن الأفضلية أن يبقى من الزوال حتى غروب الشمس.
كيفية أداء الوقوف بعرفة:
خطبة يوم عرفة: يستمع الحجاج إلى خطبة يوم عرفة التي تُلقى في مسجد نمرة، حيث يُذكرهم الخطيب بفضل اليوم وأهمية الإخلاص في العبادة.
صلاة الظهر والعصر: يصلي الحجاج صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم وقصراً في وقت الظهر، بأذان واحد وإقامتين، اقتداءً بسنة النبي ﷺ.
الوقوف والدعاء: بعد الصلاة يقف الحاج في أي مكان داخل حدود عرفة (المحدد بعلامات واضحة)، ويبدأ في الذكر والدعاء، يُستحب الإكثار من الأدعية المأثورة أو الخاصة، ورفع اليدين في الدعاء.
التوجه للقبلة: يفضل أن يقف الحاج متوجهاً إلى القبلة، مستشعراً القرب من الله.
المغيب في عرفات: يستمر الوقوف حتى غروب الشمس، وعندها يبدأ الحجاج بالتوجه إلى مزدلفة بهدوء وطمأنينة.
صلة الوقوف بعرفة بخطبة الوداع: ارتبط يوم عرفة بخطبة النبي محمد ﷺ في حجة الوداع، حيث أعلن ﷺ في هذا اليوم عن المبادئ الإنسانية والإسلامية، مؤكداً حرمة الدماء والأموال والأعراض، وداعياً إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، قال ﷺ:
“وقد تركتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنَّة نبيِّه”.
في هذا اليوم نزل الوحي بأعظم رسالة للإنسانية، وهي إعلان كمال الدين وتمام النعمة، حيث قال الله تعالى:
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (المائدة: 3).
الحكمة من الوقوف بعرفة:
وحدة الأمة: يعكس الوقوف بعرفة وحدة المسلمين، حيث يجتمعون على صعيد واحد في خشوع وتضرع لله.
يوم المغفرة: يُعد الوقوف فرصة عظيمة للتوبة ومحو الذنوب، حيث يُعتق الله رقاب عباده من النار.
تجديد العهد مع الله: يعيد المسلم ترتيب أولوياته، ويتعهد بالالتزام بالطاعة وتجديد إيمانه.
رسالة يوم عرفة: الوقوف بعرفة ليس مجرد شعيرة، بل هو محطة لتجديد العلاقة بين العبد وربه، والتخلص من أعباء الذنوب. إنه يوم يُشعر المسلم بقربه من الله، ويدفعه إلى التأمل والتغيير ليعود بروح جديدة مفعمة بالإيمان واليقين.
هذا الركن العظيم يذكرنا بأن الله قريب منا، يسمع دعاءنا ويستجيب لنا، ويمنحنا فرصة جديدة لبدء صفحة بيضاء في حياتنا.